العاصوف والصحويون
دأب الصحويون المؤدلجون على تصوير الماضي صورة مثالية، وكأن من كان يعيش فيه أناس أقرب إلى الملائكة، وتصوير الواقع الحاضر بصورة كالحة السواد وغير أخلاقية، يكتنفها الفساد والبعد عن ضوابط الدين والخلق السوي؛ وهذا غير صحيح، بل هراء محض؛ ففي كل عصر هناك الصالحون والطالحون، والأتقياء والفساق، وهذه حقيقة اجتماعية تاريخية، لا تروق للتيار الصحوي، حيث إنهم دائماً ما يصورون واقعنا بأبشع الصور وأشنعها، ليجعلوا لأنفسهم (سلطة وسطوة) على أنهم يحاولون إصلاحه، وتقويم اعوجاجاته وإعادته إلى نقائه وصفائه واستقامة أخلاق أفراده.
الهجمة الشرسة، والمغرضة، التي يتعرض لها (العاصوف) هي حملة يقودها الصحويون المؤدلجون؛ بعد أن وجدوا أن سلطتهم وسطوتهم تراجعت على المجتمع إلى الوراء، إلا أنهم مازالوا يطمحون أن يسترجعوا مكانتهم وسطوتهم ثانية؛ ولعل هذه الهجمة، وخوفاً من تكريس صورة حقيقية عن واقعنا قبل أن تعبث فيه كوادرهم فساداً من بداية الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي، يعملون هذه الأيام بنشاط على تشويه هذا المسلسل، وغِش الأجيال الشابة، التي لم تعاصر كيف كنا وكيف أصبحنا بسبب صحوتهم القميئة المتخلفة، بادعاء أن هذا المسلسل (مفبرك)، ولا يحكي ماضينا بصدق وأمانة.
ومجتمعنا قبل أن يسيطر عليه الصحويون كان مجتمعاً متوازناً، سمحاً، فيه الخطاؤون وفيه الأتقياء، كما فيه المتزمتون وفيه المتسامحون، وكان فقهاؤه، وكذلك قضاته، في الأغلب غير مؤدلجين، يراعون الله فيما يقولون، بينما أن فقهاء الصحوة وقضاتها، إلا من رحم ربي، لا يتورعون في الحكم على من يختلفون معه بأقسى وأشد الأحكام، نصرة لتحزباتهم المسيسة، وتوجهاتهم الأيديولوجية المغرضة، حتى أنهم يتهمون، ويجرمون أفراد المجتمع من هذه المنطلقات، التي هي في نهاية الأمر ضرب من ضروب (الأهواء)، التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وفي الختام أقول للنشء الذين لم يعاصروا الستينيات ولا السبعينيات من القرن الميلادي الماضي: مجتمعنا كان إلى حد كبير كما صوره (العاصوف). نقلا عن الجزيرة
لا يوجد تعليقات